الخميس، ٦ شعبان ١٤٢٩ هـ

الم وامل




إيه أيتها الدنيا لقد قطفت وردتك .
وضممتها إلى قلبي فوخزتني شوكتها .
ولما جنح النهار إلى الزوال ، وامتدت العتمة ،
ألفيت الوردة ذاويةً ، بيد أن ألم وخزتها ظل باقياً .
إيه أيتها الدنيا ، سوف يوافيك الورد بشذاه وعنفوانه .
ولكن أوان قطف الورد الذي كنت أتحيّنه قد فاتني ،
وفي الليل الحالك ، لم اعد أظفر بوردة فيما عدا ألم وخزتها
الباقي .



***



لقد همس : "يا حبيبتي ارفعي طرفك إليّ "
وأنّبته ، في عنف ، ثم قلت له : "امضِ " ولكنه
لم يرم من مكانه .
ووقف قبالتي وأمسك براحتي ، فقلت له : "دعني" ولكنه
لم يذهب .
ودانى وجهه من أذني ، وخالسته النظرَ ثم قلت له :
" واخجلتاه " ، بيد أنه لم يتحرك .
ولامست شفتاه خدي ، فارتعشت وقلت له : "إنك
تتجرأ كثيراً " غير أنه لم يشعر بالخجل .
وعلق زهرةً بشعري فقلت له : "لا جدوى من
ذلك " ولكنه ظلّ جامداً .
وتناول عقدَ الزهر من عنقي ومضى . إنني أبكي
وأسائل قلبي : لِمَ لا يعود ؟



***



إنني أتشوّف إلى أن أردد لك أعمق الكلمات التي
ينبغي أن أقولها لك ، ولكني لا أجرؤ على ذلك مخافة
أن تضحكي مني .
لهذا فإنني أضحك من نفسي ، وأنفض سري ،
دعابةً ومزاجاً .
وأستخف بألمي لئلا تستخفي به أنت .
إنني لأصبو إلى أن أردد لك أصدقَ الكلمات التي ينبغي
أن أقولها لك ، ولكنني لا أجرؤ على ذلك ، خشيةَ ألا
تؤمني بي .
لهذا فإنني أوشّيها بالكذب ، ذاكراً غير ما أفكر فيه .
إنني أدع ألمي يبدو مستحيلاً لئلا تريه أنت مستحيلاً .
إنني أتوق إلى أن ألهج بأثمن الكلمات التي يتعين علي
أن أقولها لك ، ولكنني لا أجرؤ على ذلك ، خشية ألا
أحظى بما يعدل قيمتها .
لهذا فإنني أزجي إليك أسماءً قاسيةً وأُزهى بقوتي
العاتية.
وأؤلمك خشية ألا تعرفي أي ألم .
إنني لأتمنى أن ألزم جانبك صامتاً ، ولكنني لا أجرؤ
لئلا تخون شفتاي قلبي .
لهذا فإنني أهذر وأثرثر ، في هينةٍ ، موارياً قلبي
خلف كلماتي .
وأقسو ، في عنف ، على ألمي ، لئلا تقابليه أنت
بالقسوة .
إنني لأرجو أن أبتعد عنك ، ولكنني لا أجرؤ خشية
أن تري إلى جبني .
لهذا فإنني أقدم إلى مجلسك ، شامخ الرأس ، غير
مكترث بشيء .
إن نظراتك النافذة المتصلةَ المرسلةَ من عينيك تجدد ألمي دوماً .


****


لقد تركتني ، ومضيت في طريقك .
كنت أحسب أنني سوف أبكيك ، وأرصع قلبي
بصورتك المنفردة المغزولة من أغنية ذهبية .
واأسفاه ، يا لنكد طالعي ، إن الزمن قصير .
إن الشباب يذوي عاماً بعد عام ، وأيام الربيع زائلة ،
والزهر الغض يموت من لا شيء والحكيم يقول لي:
" إن الحياة ليست سوى قطرة ندى فوق ورقة لوتس".
أينبغي أن أهمل كل هذا لأتطلع إلى من تخلت عني ؟
لعل هذا أن يكون قاسياً جنونياً ، فإن الزمن قصير .
تعالي يا ليالي الممطرة يتردد فيها خفق الأقدام ،
وابتسم يا خريفي الذهبي ، تعال يا نيسان المتمهّل ،
يا من يوزع قبلاته بعيداً .
تعال أنت ، وأنت أيضاً .
يا أحبتي إننا جميعاً فانون ، أمن الحكمة أن يحطم
المرء قلبه من أجل تلك التي استأثرت بقلبها ومضت ؟
إن الزمن قصير .
إنه ليطيب لي أن أنتبذ ركناً ، لأحلم وأنظم الشعر
مردداً : إنك دنياي كلها .
إنها لبطولة أن يعانق المرء ألمه ، وأن يعتزم ألا
يسلو أبداً .
ولكن وجهاً نضيراً يرامق بابي ويرفع طرفه إلى عيني
لا أملك سوى أن أرقأ دمعي ، وأغيّر نغم أغنيتي .
إن الزمن قصير .

من رحيق الشاعر الحالم طاغور احد شعراء الشرق ذلك العالم الساحر

ليست هناك تعليقات: